نَقْدٌ ذَاتِيٌّ

[أبو موسى أحمد الأردني]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،
أمَّا بعد:

...::: نَقْدٌ ذَاتِيٌّ :::...

فهذا كلام أبثه من القلب إلى القلب، أرجو من المشاركين في هذه المنتديات المباركة أن يسمعوه بقلب صافٍ، وأن يحملوه على أحسن المحامل، لا يجعلوا للشيطان فيه نصيب، فإنما هو لمصلحة هذه المنتديات ولفائدة المشاركين فيه ولست –والله- أقصد أحدًا بعينه بهذا الكلام، فإيَّاكم والظنون ...
فأقول وبالله تعالى أستعين :

.. منتديات :: منابر :: النور :: العلمية ..

هذه أربع كلمات لها أربع دلالات لكل كلمة منها –فيما أحسب- مغزًى من التسمي بها، ولْنناقش هذه الكلمات الأربع كلٌّ على حدة، ولْنبدأ بالأولى:

( منتديات )

أصل الكلمة من : " ( نَدَا ) ... و منه ( النَّادِي ) وهو مجلس القوم و متحدثهم، و ( النَّدِيُّ ) مُثقل، و ( المُنْتَدَى) مثله، و لا يقال فيه ذلك إلا والقوم مجتمعون فيه، فإذا تفرَّقوا زال عنه هذه الأسماء.
و ( النَّدْوَةُ ) المرة من الفعل و منه سميت دار النَّدوة بمكة التي بناها قُصي لأنهم كانوا ( يَنْدُونَ ) فيها أي: يجتمعون، ثم صار مثلًا لكل دار يُرجع إليها، ويجتمع فيها، وجَمْعُ ( النَّادِي ): ( أَنْدِيَةٌ ).

و منهم من يقول هذه أسماء للقوم حال اجتماعهم و ( النَّدَى ) أصله المطر .." اهـ ، من كتاب : (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير) (2 / 598) [الشاملة ] .. بتصرف.

وبعد هذا النقل في معنى المنتدى نقول :
باعتبار أن المعنى المختار لكلمة ( المنتدى ) هو : مجلس القوم ومتحدَّثهم، فلا بدَّ من معرفة بعض الآداب للمجالس ونذكر بعضها اختصارًا –وليس القصد التطويل- ، فمن هذه الآداب –الواجب توفرها- في المنتديات:
أن يرفق الكبير بالصغير.
وأن يحترم الصغير الكبير.
وأن يَحلُم العالم على الجاهل، ويصبر على أذاه.
وكذلك فعلى من يريد الكلام=(الكتابة)، عليه أن يتقي الله فيما يقول ويكتب لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :

( من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرًا أو ليصمت )

هذا بالإضافة إلى التفاعل المطلوب من جميع الموجودين في (المنتدى) من مشايخ وطلاب علم ومستفيدين، ليعمر المجلس بالنقاشات النافعات لا بالثناءات الفارغات الخالية عن الفائدة والاستفادة والإفادة..

فالمقصود الأول من إنشاء أمثال هذه ( المنتديات ) إنما هو نشر العلم الشرعي –الذي هو أشرف العلوم- لا مجرد الاشتراك فيها –على وجه سلبي- لا فائدة منه (!)

يكفينا الكلام هنا عن بعض الملاحظات التي أريد بثَّها في ثنايا ما كتبتُ فليفتح اللبيب قلبه = (عقله) ليفهم مقصودي من وراء هذا (النقد الذاتي)...

( منابر )

أصله في اللغة من : " ( نبر ) نَبَرَ الحرفَ يَنْبِرُه بالكسر نَبْرَاً : هَمَزَه ،... نَبَرَ الشيءَ : رَفَعَه ، ومنه ( المِنْبَر) ، بكسر الميم ، لمرْقاةِ الخاطِب ، وسُمِّي لارتِفاعه وعُلُوِّه.
... نَبَرَ الغلامُ : تَرَعْرع وارتفع... والنَّبَّار ، كشَدَّاد : الفَصيحُ البليغُ بالكلامِ ....". "تاج العروس من جواهر القاموس" - (14 / 164) [الشاملة ]

وعليه: فلنرتفع بهذا ( المنبر ) إلى أقصى ما نستطيع ونقدر، ولـ (يترعرع ويرتفع) المشاركون في هذا المنتدى بالعلم الشرعي النافع، ولن يكون هذا –أبدًا- إلا بالمناقشات العلمية، وبطرح الاستشكالات والأسئلة المحفزة للمشايخ وطلبة العلم ليتدارسوها ويستخلصوا منها الفوائد والدرر، ولا أظنه يُعقل أن يكون في هذا لمنتدى (1206) من الأعضاء لا يشارك منهم –بفاعلية- إلا (244) عضوًا فقط!، فالمطلوب منَّا الآن أن نحاول تفعيل أكبر عدد ممكن من هؤلاء الأعضاء حتى ينالنا الأجر المرجو من المشاركة في هذه المنتديات، وهو –ذاته- المقصود –إن شاء الله- من مشاركة الإخوة جميعًا.

ولو أوغلنا في (النقد) قليلاً فنظرنا إلى مشاركات هؤلاء الـ (244) عضوًا –الفاعلون- لوجدنا أكثرها (ثناءات) وقول كلمات قد تدل على تقدير لشخص الكاتب –خصوصًا إن كان من الطلبة المعروفين- لا المغمورين =(أمثالي من المجاهيل)-، ولكن في حقيقة الأمر نحن لسنا بحاجة إلى مدَّاحين –وقد نُهينا عن هذا المدح- بقدر حاجتنا إلى مُفيدين لإخوانهم، فلا يُعقل –مرةً أخرى- أن يكون جميع المُثنين على مشاركة ما متفقين على مضمونها بالكليَّة، فما المانع من طرح سؤال استفهاميٍّ، أو استشكال علميٍّ على هذا الكاتب أو على ذاك؟
الجواب أتركه للإخوة الأعضاء..

( النور )

النورُ –معروف- وهو عكس الظلمة، ولعل الدافع إلى التسمية بهذا الاسم (منابر النور) هو قول النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يروية عن ربه –تبارك وتعالى-:

" المتحابون في جلالي لهم (منابر من نور) يغبطهم النبيون و الشهداء".

(ت) عن معاذ . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4312 في صحيح الجامع.

فأسأل الله أن يرزقنا محبَّة إخواننا في الله وأن يجعل لنا منابر من نور يوم القيامة، آمين.

ومن هذا النور بل وأشدُّه إنارة (العلم) الذي هو عكس (الجهل)، فحيث كان النور رافعًا للظلمة، كان العلم رافعًا للجهل، فبادروا عباد الله وارفعوا عنَّا الجهل ، وحفزونا على طلب النور لنبصر طريقنا بالعلم .

( العلمية )

تقدم الكلام عن العلم –ولو اختصارًا-، وهذه الكلمة لها دلالات كبيرة على كل واحد منا أن يتنبه إليها، ومن ذلك أن العلم لا ينفع صاحبه مهما علا شأنه وقدره إلا بالشرط المعتبر عند العلماء ألا وهو (الإخلاص) ، و(المتابعة)، وهذه المسألة مبسوطة في كتب التوحيد وغيرها فليراجعها من شاء.

وأذكر هنا بأمور مهمة وحقائق يعلمها الكثيرون، وهي:

أنَّ أكثر من يكتبون في هذه المنتديات من (المجاهيل) الذين لا يعرف حالهم (العلمي) ولا (شخصهم) المعنوي، وهذا يتطلب الحذر من أمور منها أن الذي يكتب إنما عليه واجب هو أن يقوم بعزو ما يقوله إلى قائله حتى لا يغتر مُغتر بهذا الكاتب فيظنَّ أنه هو –نفسه- كاتب المقال، وهذا يحصل كثيرًا –وللأسف- وفي كثير من المنتديات، وقد قرر أهل العلم أن من بركة العلم عزوه إلى قائله، حتى لا يقع المسلم في مضمون حديث نبي الهدى –صلى الله عليه وسلم - :

(المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)

وفي هذا تغليظ على من ينسب لنفسه ما ليس له من كلام أو غيره.. فتأمل.

وأُخرى: أنَّ البعض من الإخوة –وهذا ظاهر من بعض الردود ولا أقصد أحدًا بعينه- لا يوسع صدره لسؤال سائل أو استفهام مستفهم –ولعل الكثيرين تعرضوا لمثل هذا الكلام- قد يكون صعب عليه فهم الأمر أو استظهار المعنى المقصود منه، ونحن في هذه المنتديات إنما نريد الفائدة –لا المناكدة- وقدمنا أن الفائدة تحصل بالمدارسة والمناقشة، ومن لوازم هذه المدارسة والمناقشة أن يصبر طلبة العلم على إخوانهم من المستجدين بالطلب فكم من هجوم –انفعالي- ليس فعله من الحكمة في شيء صدَّ عاميًّا أو طالباً جديدًا -دخل لتوه مشاركًا يريد أن يستفيد- عن المتابعة، بل قد يذهب إلى بعض المنتديات الحوارية = (البدعية) فيجد من يرفق به ويتلطف معه فيظن –لجهله- أنهم على الحق ! ، وكما قال الشيخ عبيد الجابري –حفظه الله- :

(العامِّيُّ لمن سبق له)

لذا أنصح نفسي وإخواني بالتلطف قدر المستطاع مع بعضنا البعض، والحرص على ما ينفع المشاركين عامَّة ومراعات مستوياتهم وعقولهم، وعدم التعجل في الحكم على شخص بعينه لمجرد أنه كتب شيئًا يخالف منهج السلف –ظاهرًا- لأنك لو دارسته الأمر قد تجد أنه مجرد ناقل لم يفهم المقصود من الكلام الذي نقله أو أنه سمع كلامًا ظنَّ أنه الرأي، أو أنه اشتبه عليه الأمر، فالحكمة مطلوبة في الدعوة إلى دين الله، وقد قال تعالى:

{ادْعُ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}

وقال صلى الله عليه وسلم:

(ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه).

أسأل الله أن أكون وفقت في هذا النقد، وأن لا أكون قد أسأت لأحد، فإنما مرادي أن نرتقي بهذه المنابر على الوجه الأمثل .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وكتب
أبو موسى أحمد الغرايبة الأردني
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته