في أقصر الطرق إلى الله
للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد ابن قيم الجوزية رحمه الله
قال شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية رحمه الله : هلم إلى الدخول على الله و مجاورته في دار السلام بلا نصب و لا تعب و لا عناء بل من أقرب الطرق و أسهلها ، و ذلك أنك في وقت بين وقتين و هو في الحقيقة عمرك ، و هو وقتك الحاضر بين ما مضى و ما يستقبل ؛ فالذي مضى تصلحه بالتوبة و الندم و الإستغفار و ذلك شيئ لا تعب عليك فيه و لا نصب و لا معانات عمل شاق ؛ إنما هو عمل قلب ، و تمتنع فيما يستقبل من الذنوب ، و امتناعك ترك وراحة ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته و إنما هو عزم و نية جازمة تريح بدنك و قلبك و سرك ، فما مضى تصلحه بالتوبة و ما يستقبل تصلحه بالامتناع و العزم و النية ، و ليس للجوارح في هذين نصب و لا تعب ، و لكن الشأن في عمرك و هو وقتك الذي بين الوقتين ؛ فإن أضعته أضعت سعادتك و نجاتك ، و إن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله و بعده بما ذكرته نجوت و فزت بالراحة و اللذة و النعيم ، و حفظه أشق من إصلاح ما قبله و ما بعده ؛ فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها و أنفع لها و أعظم تحصيلا لسعادتها ، و في هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت.
فهي و الله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك إما إلى الجنة إما إلى النار ، فإن اتخذت إليها سبيلا إلى ربك بلغت السعادة العظمى و الفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها إلى الأبد ، و إن آثرت الشهوات و الراحات و اللهو و اللعب انقضت عنك بسرعة و أعقبتك الألم العظيم الدائم الذي مقاساته و معاناته أشق و أصعب و أدوم من معانات الصبر عن محارم الله و الصبر على طاعته و مخالفة الهوى لأجله.
مقتبس من كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية رحمه الله