صعوبة الاخلاص
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمان الرحيم و صلاة وسلام على أشرف المرسلين :
أما بعد:
مع وضوح الإخلاص وجلائه إلا أنه من أشق الأمورعلى النفس , لأنه يحول بينها وبين تطلعاتها و شهواتها فتحقيقه و الاستمرار فيه يتطلب مجاهدة كبيرة , وهذه المجاهدة لا تقصر الحاجة فيها على عوام الناس فقط, بل الكل محتاج إليها حتى العلماء و الأشداء من الصالحين و العباد , يقول الثوري ( ماعالجت شيئا أشد عليّ من نيتي , إنها تنقلب عليّ )) (1) ,ويقول يوسف بن الحسين الرازي ( أعز شيئ في الدنيا الإخلاص , و كم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلب,
وكأنه ينبت فيه على لون آخر )) (2) ، و يقول يوسف بن أسباط ( تخليص النية من فسادها أشد على العالمين من طول الاجتهاد ))(3) ، ويقول عبد الله بن مطرف( تخليص العمل حتى يخلص أشد من العمل )) (4) ، و قيل لسهل بن عبد الله ( أي شيئ أشد على النفس ,? قال : الإخلاص ، لأنه ليس فيه نصيب )) (5)،فالنفس الأمارة بالسوء تشين الإخلاص للعبد ، وتريه إياه (في صورة ينفر منها ، وهي الخروج عن حكم العقل المعيشي، والمداراة والمداهنة التي بها اندراج حال صاحبها ومشيه بين الناس ، فمتى أخلص أعماله ولم يعمل لأحد شيئا تجنبهم و تجنبوه وأبغضهم وأبغضوه )(6)، ولذا فقد كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو( يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك )) (7) ، وكثيرا ما كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يكثر في حلفه من قول( لا ومقلب القلوب)) (8) ، وذالك لكثرة تقلب القلوب و تحولها في قصودها ونياتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي :1\317
(2) جامع العلوم والحكم ، لابن رجب : 1\84
(3) جامع العلوم والحكم ، لابن رجب : 1\70
(4) حلية الأولياء : 10\121
(5) صفة الصفوة ، لابن الجوزي :4\65
(6) الروح ، لابن القيم : 392
(7)أخرجه الترميذي 2140)و حسنه
(8) أخرجه البخاري (6617)
|