قصة المؤامرة الكبرى – مؤامرة الإخوان المسلمين على دولة الإمارات العربية المتحدة ( الحلقة السادسة )
أخبرتكم في نهاية الحلقة الخامسة :
.. بأن التنظيم الإخواني الإماراتي مع أعماله وخططه وبرامجه المتنوعة كان يبلور أطره في تشكيل التنظيم الجهادي في دولتنا الغالية..
ووعدتكم بالحديث عنه في هذه الحلقة إن شاء الله ، وهذا ما سيكون لكن هناك أسئلة لابد من طرها والإجابة عليها ، لإيضاح بعض الاعتبارات المهمة ، خاصة أن هذا التنظيم مثل الأخطبوط الذي قد تمسك بطرف قصير منه، وتترك طرفا آخر طويلا ، فلا تدرك خطورته..
إذ بسياسته الماكرة قد يغطي لك عينا ويترك الأخرى ، فتبصر شيئا ولا تبصر أشياء أخر ، فتقع في حسن الظن ، أو تنحصر في تصور خاطئ يقلل من حجم خطورة هذه الجماعة في نظرك.
ولذلك هناك مسائل مهمة لابد أن نقف عندها في هذا الباب لندرك كيفية عمل هذا التنظيم ، منها :
هل لتنظيم الإخوان ذراع جهادي ؟
وهل هناك مصادر علمية يتلقى الأتباع منها هذه الثقافة ؟
وما هي فلسفة التنظيم في تعامله مع رموز الفكر الجهادي والتنظيم الخاص للجهاد ؟
وهل هناك تنظيم جهادي تابع لتنظيم الإخوان في دولتنا ؟
وما هي أهم مراحله وكيف تعامل التنظيم الإخواني في تشكيله وبلورته وارتباطه معه ؟
سأجيبك على هذه التساؤلات من خلال الآتي :
تنظيم الجهاد مقترن مع نشأة الإخوان :
من الأمور الضرورية التي ينبغي أن ندركها يا إخواني :
أن تنظيم الجهاد تنظيم ملازم لنشأة الإخوان المسلمين ، وذلك لأن من مقاصد الإخوان الرئيسة الإطاحة بالحكم ووصولهم إليه، ولما كانت قناعتهم تقضي باستحالة ذلك إلا بتنظيم الجهاد ، خاصة مع المتغيرات الداخلية والخارجية للبيئة في مصر في تلك الحقبة، كانوا حريصين على ضبطه وتقنينه ، لكي يتوافق مع المراحل التي يخطط لها التنظيم ، وهذا باب دقيق ذو زوايا كثيرة متنوعة لا يمكن ضبطه إلا بتفصيل طويل لا يناسبه هذا المكان ، إذ ملابسات وتفاصيل التنظيم الجهادي توضحه مراحل زمنية ابتداء :
..بتأسيس حسن البنا له …
.. وتعامل التنظيم الجهادي مع الملك فاروق
… ومع محمد نجيب الذي أسس أول جمهورية بعد إطاحته بالملك فاروق
…ثم تعامله مع جمال عبد الناصر ثم أنور السادات…
…ثم مع الجهاد في الصومال والبوسنة والهرسك …
…ومع الجهاد الأفغاني …
..ومع الرئيس السابق حسني مبارك ..
.. وإلى يومنا هذا حتى على مستوى المجلس العسكري الحالي الذي سمح بمرور السفينتين الحربيتين الإيرانيتين إلى سوريا .
وهذا ما لا يسعه مجلدات فضلا عن مقالتنا المختصرة هذه :
لكن دعوني أذكر لكم جزئية يسيرة تتعلق بجمال عبد الناصر الذي استخدم أسلوبا واحدا في ضرب تنظيم الإخوان من خلال جوانب عدة ،كان منها ضرب التنظيم الجهادي ..
حيث كان لتنظيم الإخوان أثر كبير في تشكيل مجلس الثورة و مجموعة الضباط الأحرار التي كان جمال عبد الناصر المحرك الأساسي للمجموعة، والتي دخل فيها محمد نجيب وغيره من الضباط في تلك الفترة قبل أن يصل إلى سدة الحكم ، فكانت قناعة جمال عبد الناصر مترسخة بقوة تأثير التنظيم الإخواني الجهادي ، وقدرته على إحداث تغيير جذري على مستويات كبيرة ، ولهذا مع رغبته في الحكم وثقله العسكري فقد سايسهم كثيرا ، خاصة مع المنزلة الاجتماعية والعسكرية الكبيرة التي يحظى بها محمد نجيب ، وعلاقته القوية والحميمة بأبرز الشخصيات الإخوانية كحسن الباقوري الذي عند ميول ليبرالي والعشماوي وغيرهم من الشخصيات التي تختلف في بعض وجهات النظر مع حسن الهضيمي المرشد الثاني لجماعة الإخوان…
ومن هنا علم جمال عبد الناصر من أين سيأكل الكتف ، فعقد صفقة مع تنظيم الإخوان لعلمه بشرههم بالسلطة فوافقوا عليها ، فلما وصل إليها وفق إجراءات وخطوات نسق من خلالها مع الإخوان ، كافأهم ــ وذلك لعلمه بقدرتهم على تعطيل حكمه في حال عدم إضعافه لتنظيمهم ــ بتصفيتهم وضرب تنظيمهم من خلال عدة جوانب كان منها التنكيل بالتنظيم السري والتنظيم الجهادي الذي دخل بعضه في القوات المسلحة المصرية ، وكان ذلك أكبر خطأ استراتيجي لتنظيم الجماعة .
سبب ذكري لهذه الفقرة لتعلموا يا إخوان أن :
التنظيم الجهادي ذراع مهم لتنظيم الإخوان منذ تأسيسه ، ويمشي بخطى تنظيمية تكتيكية ليست من اليوم ، وإن كان يخطئ في بعض الخطوات والبرامج أحيانا .
مسألة المنهج الفكري الإخواني في تغذية تنظيم الجهاد :
هذه مسألة مهمة ينبغي أن ندركها كذلك ، وهي أن تنظيم الإخوان يعتمد على منهج فكري ، يقوم من خلاله بتغذية التنظيم الجهادي التابع للجماعة، وكان يعتمد كثيرا على كتب سيد قطب وبالأخص كتاب التفسير في ظلال القرآن وكتاب معالم على الطريق ، إذ احتوى الكتابان على أفكار حماسية جدا ، تساعد في تشكيل الكتل الجهادية لتعطيها جاهزية مطلقة لتنفيذ أي أمر صادر من قيادة التنظيم ، مهما كانت تبعاته ، مما أعطى يدا عسكرية لتنظيم الجماعة استخدمتها في الضغط على الحكومات المصرية، ابتداء من نهاية عهد الملك فاروق ، لكن لما لاحظ تنظيم الجماعة ارتفاع الحماسة لدى التنظيم الجهادي ، وظهور بعض المجموعات الجهادية التي لا تبالي بالتخطيط المرحلي لتنظيم الجماعة ، بدأ التنظيم يتبرأ من بعض الشخصيات الجهادية حتى لا تلصق به تهمة الإرهاب ، ولأن العشوائية التي بدأ يسلكها بعض الجهاديين في نظر التنظيم كأيمن الظواهري وغيره ، لا تتماشى مع التخطيط الاستراتيجي والمرحلي للجماعة.
ومع ازدياد تأثير جرعات فكر سيد قطب في عقول شباب تنظيم الجهاد، شكّل فكر سيد قطب إضافة إلى الجهاديين شريحة تكفيرية ، وهي ما يسمى بالتكفير والهجرة مما جعل الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين يسارع في تأليف كتاب نحن دعاة لا قضاة ، وأعلنت الجماعة براءتها من هؤلاء ، حفاظا لماء وجهها ، مع أنها هي التي شكلتهم وأنتجتهم ، فالحقيقة المرة التي لا مرية فيها :
أنه لا خلافي جوهري بين تنظيم الإخوان وبين هذه المجموعة إلا أنها لا تنضبط بالتخطيط المرحلي للجماعة .
وهذا الكلام يبين لنا فلسفة الجماعة مع الجهاديين والتكفيريين والسروريين فهم في الحقيقة نتاج التنظيم الإخواني، فدعوة الإخوان المسلمين تستفيد منهم في زوايا عدة ، وتلتقي معهم على نقاط كثيرة ، لكن محل الخلاف الجوهري عدم التزام بعض الجهاديين والتكفيريين
والسروريين للعمل المرحلي الذي تخطط له الجماعة .
إنشاء تنظيم الإخوان للتنظيم الجهادي في الدولة :
والآن يا أبناء وبنات زايد الخير ، وبعد البيان السابق الدقيق والمعقد، نأتي إلى موضوعنا الجوهري ، الذي هو :
تشكيل وبلورة تنظيم الإخوان للتنظيم الجهادي في دولتنا دولة الإمارات العربية المتحدة من أجل تحقيق المؤامرة الكبرى .
البذرة الأولى للتنظيم الجهادي :
كانت المرحلة الأولى لبذرة التنظيم الجهادي التابع للإخوان الإماراتيين في أوسط السبعينات ، فكوّن التنظيم لبنة أولية من خلال قيام الجماعة بتغذية شخصيات محدودة بالفكر الجهادي معتمدة في الغالب على فكر وثقافة سيد قطب .
بداية الجهاد الأفغاني :
ومع بداية الجهاد الأفغاني تنوعت الأنشطة والمغذيات للتنظيم الجهادي في دولة الإمارات ، فبعد زيادة خلاياه بسبب الجهاد الأفغاني ، أدخل التنظيم مع كتب سيد قطب كتب عبد الله عزام وهو أحد قيادات الجهاد في أفغانستان ، مع بعض التدريبات التي يقيمها التنظيم الخاص لأفراده في البراري ، وذلك عبر المخيمات والأناشيد الجهادية والحماسية ، ليس فقط باللغة العربية بل باللغة الأفغانية مع بعض المحاضرات واللقاءات لبعض الأفراد الذين يحكون عن قصصهم في الجهاد الأفغاني ، إضافة إلى استخدام التنظيم لأسلوب نفسي دقيق يجعل المتدرب يصل بعقله الباطني إلى اعتقاد كفر الحكومة وتخوينها واعتقاد عدم صلاحيتها، وذلك من خلال شحن فكر المنتظم خلال مرحلة التدريب بمعلومات مغلوطة تقتضي استسلام العقل الباطني للمتقد التكفيري ، هذا من جهة ، ومن جهة خرى يقوم التنظيم بكسر أي حاجز نفسي عند المتدرب تجاه الموت ، وذلك من خلال التفسيرات الخاطئة لأحاديث الجهاد ، وبعض التدريبات الخاصة التي تمارس أثناء التدريب كحفر القبر أمام المتدرب ودخوله في اللحد ، واستشعاره لمعنى الانتقال للآخرة، مما أعطى جرعات حماسية بعيدة المدى ، وحافزا قويا لعدد من الخلايا التنظيمية الجهادية في الإمارات، ليقرروا رغبتهم بالسفر للجهاد ، ونقلهم لأموال التبرعات لإيصالها للجهاد الأفغاني .
اعتبر التنظيم الإخواني هذه الخطوات فرصة ذهبية لتدريب التنظيم الجهادي الإماراتي في أفغانستان ، مما يضمن لهم عند عودته تشكيل ذراع جهادي متدرب ومتمرس على الحروب، وبالتالي يزداد ثقل الجماعة وتسهل المؤامرة المنشودة ضد الدولة ..
ومن هنا بدأ التنظيم بالتنسيق لنقل هذه المجموعات إلى أفغانستان، وربطها بالشخصيات الجهادية على أعلى المستويات، حتى على مستوى ابن لادن وأيمن الظاهري، فأكسبتهم خبرات كثيرة في هذا المجال ، بل منهم من بايع تنظيم الجهاد العالمي ( القاعدة ) .
إشكالية متكررة :
بعد عودة هؤلاء الجهاديين إلى الإمارات ، بدأوا بالتحرك لنشر الفكر الجهادي ، وشكلوا شريحة في رأس الخيمة وخورفكان ودبي والعين ، وقاموا بنشر الثقافة الجهادية عبر بعض التسجيلات مثل تسجيلات الجهاد التي أنشئت قديما في العين وغيرها ، وتبادل أخبار المجاهدين في أفغانستان والصومال والبوسنة والهرسك ، مما أشعر التنظيم الإخواني الإماراتي بوجود مشكلة شبيهة بالمشكلة التي واجهت التنظيم في مصر في أواخر الستينات ، وهي أن هؤلاء الجهاديين بدأوا يستقلون قليلا ، ولا يلتزمون بالبرامج والخطط الاستراتيجية للتنظيم ، مما سيكون لهم عبأ يجلب مردود سلبي على التنظيم …
ومن هنا حاول التنظيم وفق فلسفته للمحافظة على نفوذه في توجيه التنظيم الجهادي وفق الأطر العامة ، لكن مع مرور السنوات خاصة في أواخر التسعينات ، وبعد انتهاء الجهاد الأفغاني ، قوي التنظيم الجهادي في الدولة ، وبدأ يستقل بالبيعة عن بيعة الإخوان ويربطها بالجهاد العالمي، مما أشعر التنظيم الإخواني بربكة في برامج مراحل مخططاته إذ المرحلة غير مناسبة لذلك وفق المخطط الإخواني ، فالمرحلة ليست المرحلة ، فالحملات ضد تنظيم القاعدة قوية خاصة بعد انتهاء الجهاد الأفغاني، والصورة مشوهة إذ التصقت كلمة الإرهاب بالقاعدة سيما مع بعض الممارسات التي قام بها الجهاديون في الدولة ، كالحث على تفجير بعض السفارات الأجنبية في الدولة ، وإبراز فكر تكفير الحكام ، مما سيؤدي إلى إحراج كبير للتنظيم الإخواني بل قد تعثر مسيرته ، وتستجلب عداوة الدولة ضده ، والوقت غير مناسب فالمرحلة ليست المرحلة المخطط لها في التنظيم ..
قرار مصيري للتنظيم الإخواني الإماراتي :
ومن هنا لم يجد التنظيم بدا إلا أن يرجع إلى فلسفته القديمة في الستينات التي استخدمها في مصر ضد الفكر الجهادي والتكفيري المستقل ، فاستدعى التنظيم بعض الشخصيات الجهادية المؤثرة للنقاش معهم ، وقام بإجراءات وقائية لضمان سلامة التنظيم ، حيث أخذ تعهدات وإقرارات فصل بعض الأعضاء عنهم مثل حسن الدقي وغيره ؛ حيث تم توقيعهم على عريضة الفصل والإقرار أمام مجلس الشورى الإخواني .
دهاء ما بعده دهاء :
وهكذا يا إخواني وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ، كشفت أوراق كثيرة للتنظيم الجهادي في الدولة ، وتعطل ـ ولله الحمد ـ الذراع الجهادي للتنظيم الإخواني الذي كان يعدّه ضد الدولة ضمن مؤامرته الكبرى ، ونوصح بعضهم ، منهم من تاب ، ومنهم من بقي على ضلاله ، وحصلت اعترافات كثيرة ، كلها تشير إلى المخطط الرئيسي والمربي الماكر الذي هو تنظيم الإخوان الإماراتي…
لكنه مع هذا كله فهو :
تنظيم بريء مسكين !..أعلن تبرأه من الجهاديين، وناصحهم !.. وطرد حسن الدقي وغيره الذين هم من أبرز الشخصيات الجهادية !.. بل الإقرارات والتعهدات موجودة عندهم !.. فهم إصلاحيون وسطيون معتدلون !!..يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة !!
ليست لهم صلة بالإرهاب ، بل هم ضد الإرهاب !!
والدليل تبرأهم من التنظيم الجهادي وفصل أبرز شخصياته !، لأنهم مرنون متفتحون !! الخ آخر كذبهم ودجلهم ..
فيا أبناء زايد :
هل هنا دهاء بعد هذا الدهاء ؟
وهل يحكم هؤلاء دين وعقل وحكمة ؟
أم أن المنهج الإخواني يسيرهم ويحكمهم ؟
ومع هذه المحاولات والخطى الحثيثة المتنوعة التي ذكرتها لكم في هذه الحلقات الست ، والضربات المتكررة من الدولة ضدها، نجد أن مسيرة التنظيم الإخواني الإماراتي تستمر لتحقيق المؤامرة الكبرى ضد الدولة من خلال برامج وزوايا وأجندة أخرى، سأذكرها لكم في الحلقة السابعة القادمة إن شاء الله .
كاتب إماراتي..