منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام > منبر الردود السلفية والمساجلات العلمية

آخر المشاركات الصعفوق الهابط عندما يكذب بدون حياء ولا خجل! ذكرت في منشور تلون إبراهيم بويران في الدين، وذكرت... (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - آخر رد : رضا أبو جويرية الأثري الجزائري - )           »          خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-15-2010, 02:06 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي الردع والتبكيت بالمقدسي صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت (06) للشيخ العتيبي -حفظه الله-

الردع والتبكيت بالمقدسي صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت (الفصل السادس)

أحوال الحكم بغير ما أنزل ، وتفصيل ذلك والرد على تلبيسات المقدسي

زعم المقدسي أن التشريع والتبديل من الكفر الأكبر بلا خلاف! بل تجرأ على ما هو أبلغ من ذلك فقال: " ولذلك فإن السلف كانوا إذا وردت الآية وأراد المستدل بها المعنى الأول (الجور) أوّلوها وحملوها على الكفر الأصغر، وإن استدل بها على المعنى الثاني (التبديل والتشريع) أبقوها على ظاهرها أي الكفر البواح الحقيقي مع أن الأصل في الآيات أنها تتناول الكفر الأكبر البواح الذي مارسه اليهود حين اتّفقوا واجتمعوا وتواطئوا على أحكام غير أحكام الله .

إلى أن قال: "فلا يحل إيراد ردّ الصحابة عليهم في ذلك المقام وتنزيله على شرك هذه الحكومات وكفرها البواح في هذا الزمان. ومن فعل ذلك فقد لبّس الحق بالباطل والنور بالظلام بل هو-ورب الكعبة- على خطر عظيم، لأن لازم ذلك أنّ ما كان ينتقده الخوارج على الصحابة والخلفاء الرّاشدين هو من جنس شرك هؤلاء الحكام الكافرين وفي هذا تكفير للصحابة أجمعين في هذا الزمان.

ولا شك أنّ من كفّرهم فإنه هو الكافر، لأن الصحابة قد رضي الله عنهم ورضوا عنه بنص القرآن. ورميهم بشيء من شرك هؤلاء الحكام وكفرهم تكذيب لصريح القرآن أو وصفٌ لله بأنه يرضى عن القوم الكافرين، وذلك كلّه كفر" انتهى كلام المقدسي.

وقد سبق الكلام عن التشريع، وذكرت ما في كلام المقدسي من تحريف وتبديل، وسيأتي بيان انحرافه فيما يتعلق بفعل اليهود الذين نزلت فيهم الآية حيث زعم أنهم لم يستحلوا الحكم بذلك، في فصل مستقلٍ إن شاء الله.


والجواب عن تلبيسات المقدسي من وجوه:


الوجه الأول: أن الحكم بغير ما أنزل الله من كبائر الذنوب التي لا تخرج من الملة ، وقد أجمع أهل السنة على أن الحكم بغير ما أنزل الله من الكبائر دون الشرك ما لم يقترن الحكم بغير ما أنزل الله باستحلال أو استكبار أو عناد للشرع أو استهانة به.

قال حافظ المغرب الإمام ابن عبد البر -رحمه الله-: "وأجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمد ذلك عالما به رويت في ذلك آثار شديدة عن السلف ، وقال الله عز وجل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وَ {الظالمون} وَ {الفاسقون} نزلت في أهل الكتاب.

قال حذيفة وابن عباس : وهي عامة فينا. قالوا: ليس بكفر ينقل عن الملة إذا فعل ذلك رجل من أهل هذه الأمة حتى يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

روي هذا المعنى عن جماعة من العلماء بتأويل القرآن منهم ابن عباس وطاوس وعطاء.

وقال الله -عزَّ وجلَّ- : {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً} والقاسط: الظالم الجائر " ( 1 ).

قال القرطبي -رحمهُ اللهُ- : "وقال ابن مسعود والحسن : هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله ، أي معتقداً ذلك ومستحلاً له" ( 2 ) .

وقال الإمام محمد بن جرير الطبري : "وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب من قال : " نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب ، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات فيهم نزلت ، وهم المعنيون بها ، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم ، فكونها خبراً عنهم أولى.

فإن قال قائل : فإن الله -تعالى ذكره- قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله ، فكيف جعلتها خاصاً ؟ قيل : إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين ، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون ، وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل جاحداً به ، هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس" ( 3 ) .

وقال أبو بكر الجصاص : "وقوله تعالى :{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} لا يخلو من أن يكون مراده الشرك والجحود ، أو كفر النعمة من غير جحود ، فإن كان المراد جحود حكم الله ، أو الحكم بغيره مع الإخبار بأن حكم الله فهذا كفر يخرج عن الملة ، وفاعله مرتد وإن كان قبل ذلك مسلماً وعلى هذا تأوله من قال : إنها أنزلت في بني إسرائيل وجرت فينا،

يعنون : أن من جحد حكم الله ، أو حكم بغير حكم الله ثم قال : إن هذا حكم الله؛ فهو كافر ، كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك.

وإن كان المراد به كفر النعمة ، فإن كفران النعمة يكون بترك الشكر عليها من غير جحود ، فلا يكون فاعله خارجاً من الملة، والأظهر هو المعنى الأول لإطلاقه اسم الكفر على من لم يحكم بما أنزل الله.

وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود لها، وأكفروا بذلك كل من عصى الله بكبيرة أو صغيرة " ( 4 ) .

وقال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ -رحمهُ اللهُ- : "وجاءت السنة بأن الطاعة في المعروف ، وهو ما أمر الله به ورضيه من الواجبات والمستحبات ، وإنما يحرم التحكيم إذا كان المستند إلى شريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة ، كأحكام اليونان والإفرنج والتتر وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهواؤهم ، وكذلك سوالف البادية وعاداتهم الجارية ، فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها فهو كافر ، قال تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }، وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين :

أن الكفر المراد هنا كفر دون الكفر الأكبر ، لأنهم فهموا أن تتناول من حكم بغير ما أنزل الله ، وهم غير مستحل لذلك ، ولكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل ، وأن كفره مخرج عن الملة " ( 5 ).

وقال السيد رشيد رضا : ""وقد استحدث كثير من المسلمين من الشرائع والأحكام نحو ما استحدث الذين من قبلهم ، وتركوا -بالحكم بها - بعض ما أنزل الله عليهم ، فالذين يتركون ما أنزل الله في كتابه من الأحكام من غير تأويل يعتقدون صحته ، فإنه يصدق عليهم ما قاله الله في الآيات الثلاث أو في بعضها ، كل بحسب حاله : فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة ،أو القذف ، أو الزنى ، غير مذعن له لاستقباحه إياه ، وتفضيل غيره من أوضاع البشر عليه فهو كافر قطعا.ً

ومن لم يحكم به لعله أخرى فهو ظالم إن كان في ذلك إضاعة الحق أو ترك العدل والمساواة فيه ، وإلا فهو فاسق فقط ، وإننا نرى كثيرين من المسلمين المتدينين يعتقدون أن قضاة المحاكم الأهلية الذين يحكمون بالقانون كفاراً أخذاً بظاهر قوله تعالى : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ، ويستلزم الحكم بتكفير القاضي الحاكم بالقانون تكفير الأمراء والسلاطين الواضعين للقوانين ، فإنهم وإن لم يكونوا ألفوها بمعارفهم ، فإنها وضعت بإذنهم ، وهم الذين يولون الحكام ليحكموا بها .

أما ظاهر الآية فلم يقل به أحد من أئمة الفقه المشهورين ، بل لم يقل به أحد قط" ( 6 ).

جاء في فتوى اللجنة الدائمة: "والتحاكم يكون إلى كتاب الله وإلى سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن لم يتحاكم إليهما مستحلاً التحاكم إلى غيرهما من القوانين الوضعية بدافع طمع في مال أو جاه أو منصب فهو مرتكب معصية وفاسق فسقاً دون فسق ولا يخرج من دائرة الإيمان" ( 7 ).

وقال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمَهُ اللهُ- لما سئل عن الحكم بالقوانين الوضعية -: "إذا استباح حكمٍ بقانونٍ غير الشريعة يكون كافراً كفرا أكبر ، أما إذا فعل ذلك لأسباب خاصة عاصياً لله من أجل رشوة أو إرضاء فلان أو فلان ويعلم أنه محرم يكون كفراً دون كفر" ( 8 ) أي لا يكفر إلا استباح الحكم بالقوانين الوضعية.

الوجه الثاني: بيان أنواع تبديل الشرع.

اعلم أن تبديل الشرع على أقسام :

القسم الأول: من بدَّل الشرع ونسبه إلى الشرع مجتهداً أومتأولاً وهو يريد حكم الله لكنه غلط وجهل ؛ فهذا معذور ، وليس بآثم إذا كان من أهل الاجتهاد ، وهذا يسميه شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم : "الشرع المؤول" .

القسم الثاني: من بدَّل الشرع عمداً ، ولكنه لم ينسبه إلى الشرع ، ولم يكن تبديله استكباراً ولا معاندة للشرع بل يعتقد حرمة فعله ، ولكن لحاجة في نفسه كرشوة ، أو منصب ، أو معاداة لشخص ، أو نحو ذلك ؛ فهذا مجرم آثم ، وهو حاكم بغير ما أنزل الله ، ولا يكفر إلا بقرينة تدل على استحلاله أو استكباره أو معاندته للشرع .

القسم الثالث: من بَدَّلَ الشرع عمداً لا عن خطأ وتأويل ونسبه إلى الشرع ؛ فهذا كافر مرتد بإجماع المسلمين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمَهُ اللهُ- : "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء ، وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله .

ولفظ "الشرع" يقال في عرف الناس على ثلاثة معان :

"الشرع المنَزَّل" : وهو ما جاء به الرسول ، وهذا يجب اتباعه ومن خالفه وجبت عقوبته.

والثاني: "الشرع المؤَوَّل" : وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه ، فهذا يسوغ اتِّبَاعه ، ولا يجب ، ولا يحرم .

وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ، ولا يمنع عموم الناس منه.

والثالث: "الشرع المُبَدَّل" : وهو الكذب على الله ورسوله ، أو على الناس بشهادات الزور ونحوها ، والظلم البين ؛ فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع ، كمن قال: إن الدم والميتة حلال ولو قال: هذا مذهبي ونحو ذلك." ( 9 ).

فبين شيخ الإسلام –رحمه الله- أن التبديل الذي يخرج من الملة ما كان عن استحلال .

فإنه عقب على قوله: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء" بآية الحكم وقيد الكفر فيها بالاستحلال فقال:

"في مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي: هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله".

وهذا يوافق ما بَيَّنَه أبو بكر بن العربي من معنى التبديل حيث قال -رحمهُ اللهُ- : "إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين" ( 10 )

وفي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- إشارة واضحة أن الآية فيها قولان:

القول الأول : أنها على ظاهرها وأنها في المستحل للحكم بغير ما أنزل الله.

القول الثاني: أنها على غير ظاهرها وأن المراد بالكفر هنا : كفر دون كفر كما ورد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- وعن غيره من التابعين.

فجعل شيخ الإسلام –رحمه الله- مرد التبديل الذي يخرج من الملة إلى الحكم بغير ما أنزل الله ، وهو لا يخرج من الملة إلا بالاستحلال كما أجمع عليه السلف كما سبق ذكره في الوجه الرابع

فآية الحكم عامة في المبدل وغيره ، عامة في الحاكم وفي المحكوم ، عامة في الفرد والطائفة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- : " وكل من حكم بين اثنين فهو قاضٍ، سواء كان صاحب حرب، أو متولي ديوان، أو منتصباً للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط، فإنَّ الصحابة كانوا يعدونه من الحكام.

ولما كان الحكام مأمورين بالعدل والعلم، وكان المفروض إنما هو بما يبلغه جهد الرجل قال النبي –صلى الله عليه وسلم- : (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)) ( 11 ) " ( 12 )


والتفصيل عند أهل السنة لا يخرج عن قولين أشار إليهما شيخ الإسلام ، وحكاهما غيره من أهل العلم في تفاسيرهم وهما:

القول الأول: أنها في المستحل للحكم بغير ما أنزل الله .

واختلفت تعبيرات السلف في حكاية هذا القول:

فمنهم من قال: نزلت في أهل الكتاب أو الكفار وهذا مبناه على الاستحلال ، أو الجحود لأنه واقع الكفار ومن ذكر من أهل الكتاب في الآيات قبلها .

وممن قال بِنُزُولها في الكفار البراء بن عازب كما في صحيح مسلم( 13 ) وقتادة والضحاك وغيرهما وهذا ترجيح الطبري .

ومنهم من قال: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله أي معتقداً ذلك ومستحلاً له كما بينه القرطبي وعزا القول بالعموم لابن مسعود والحسن وهو مروي عن السدي وإبراهيم النخعي.

ونحوه رواية عن ابن عباس وهو قول عكرمة وغيره

والقول الثاني: كفر دون كفر ، أو ليس بكفر ينقل عن الملة كما يقوله ابن عباس وغيره من التابعين .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وأما "الشرع المبدَّل" فمثل الأحاديث الموضوعة والتأويلات الفاسدة والأقيسة الباطلة والتقليد المحرم فهذا يحرم أيضاً ، وهذا من مثار النِّزاع فان كثيراً من المتفقهة والمتكلمة قد يوجب على كثير من المتصوفة والمتفقرة اتِّبَاع مذهبه المعين ، وتقليد متبوعه ، والتزام حكم حاكمه باطناً وظاهراً ، ويرى خروجه عن ذلك خروجاً عن الشريعة المحمدية ، وهذا جهل منه وظلم ، بل دعوى ذلك على الإطلاق كفر ونفاق .

كما أن كثيراً من المتصوفة والمتفقرة يرى مثل ذلك في شيخه ومتبوعه، وهو في هذا نظير ذلك.

وكل من هؤلاء قد يسوغ الخروج عما جاء به الكتاب والسنة لما يظنه معارضاً لهما؛ إما لما يسميه هذا ذوقاً ووجداً ومكاشفات ومخاطبات، وإما لما يسميه هذا قياساً ورأياً وعقليات وقواطع .

وكل ذلك من شعب النفاق ، بل يجب على كل أحد تصديق الرسول في جميع ما أخبر به ، وطاعته في جميع ما أمر به ، وليس لأحد أن يعارضه بضرب الأمثال، ولا بآراء الرجال ، وكل ما عارضه فهو خطأ وضلال" ( 14 ).

الوجه الثالث: إن شيخ الإسلام –رحمه الله- فصل التفصيل السابق في التشريع والتبديل وهو قد عايش التتار وعرفهم ، وبَيَّن في غير ما موضع أنهم يحكمون بالياسق، فهو يتحدث عن واقع موجود مشاهد حاله كالحال في زماننا هذا ليس غير .

فشيخ الإسلام –رحمه الله- ذكر "الشرع المبدَّل" وهو يعني ما يقول فيشمل القوانين الوضعية"الشرع المبدل" التي كان يحكم بها التتر ، ويشمل "الشرع المبدَّل" الذي يوجد عند طوائف من المتصوفة وقد يكون أشد كفراً مما هو في الياسق .

وتنبه إلى أن شيخ الإسلام –رحمه الله- أدخل في "الشرع المبدل" الأحاديث المكذوبة ، والتأويلات الفاسدة ، والأقيسة الباطلة ، والتقليد المحرم ؛ كلها من "الشرع المبدل" ، ومع ذلك لا يكفر صاحبها إلا إذا نسبها إلى الشرع –كما في الأحاديث المكذوبة- ثم يعاند في ذلك بعد علمه فيخرج من الملة بلا نزاع .

وانظر إلى قول شيخ الإسلام –رحمه الله- : "وهذا من مثار النِّزاع فإنَّ كثيراً من المتفقهة والمتكلمة قد يوجب على كثير من المتصوفة والمتفقرة اتباع مذهبه المعين ، وتقليد متبوعه ، والتزام حكم حاكمه باطناً وظاهراً ، ويرى خروجه عن ذلك خروجاً عن الشريعة المحمدية ، وهذا جهل منه وظلم ، بل دعوى ذلك على الإطلاق كفر ونفاق".

فهؤلاء المتصوفة ونحوهم يبدلون الشرع بآرائهم الفاسدة ، وأقيستهم الباطلة ، وبالوجد ، والذوق ، ويوجبون التزام شرعهم المبدَّل ظاهراً وباطناً ، ويرون الخروج عن شريعتهم خروجاً عن الشريعة المحمدية ، فهؤلاء لا شك في أنهم وقعوا في الشرك الأكبر وخرجوا من الإسلام .

والناظر في واقع المطبقين للشريعة المبدَّلة بتحكيم القوانين الغربية يجد قليلاً منهم من يكون مثل هؤلاء، بل لا يوجد أحد من أولئك الحكام –على تنوع مذاهبهم ودياناتهم- يرى أن مخالفة دساتيرهم وقوانينهم خروجاً عن الشريعة المحمدية .

بل بعضهم يعلم ويصرح أنه مخالف للشريعة المحمدية ، ولكنه يظن أنه لا يستطيع أنه يحكم بالشريعة المحمدية لما عنده من الهوى أو النفاق أو الزندقة أو الكفر الأكبر .

وليس في ما سبق عذر لمن يحكم بالشرع المبدل ، ولا تبرير له ، بل هو باطل، وبعضه كفر وردة ، وبعضه فسق وظلم .

وإنما ذكرت ذلك مقارنة لمن كان من أهل السلطة والنفوذ ويحكم بِـ"الشرع المبدَّل" ويعاقِبُ عليه قبل زماننا بقرون طويلة .

ومما سبق يظهر أن "الشرع المبدَّل" عند أهل العلم ليس شيئاً واحداً بمعنى أنه الحكم بالقوانين الوضعية المأخوذة من الغرب ، وكذلك حكمه ليس واحداً ولا إجماعياً بل فيه تفصيل عند أهل السنة .

قال شيخ الإسلام –رحمه الله- : "وأما "الشرع المبدَّل" فهو الأحاديث المكذوبة، والتفاسير المقلوبة ، والبدع المضلة التي أدخلت في الشرع وليست منه ، والحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا ونحوه : لا يحل لأحد اتِّبَاعَه" ( 15 ).

تنبه إلى تفصيل شيخ الإسلام في "الشرع المبدَّل" ، فَـ"الشرع المبدَّل" صنوف وألوان .

والحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً لا شك في أنه تبديل ، وأنه "شرع مبدَّل" سواء كان مكتوباً أو لم يكن كذلك ، سواء ألزم به المظلوم أم لم يلزمه .

ومعلوم أن القاضي لما يبدل الشرع ويحكم بغير ما أنزل الله فإنه يلزم المظلوم بالحكم .

ومع ذلك فإجماع العلماء على عدم كفر هذا القاضي إلا إذا استحل .

ومن أقوال العلماء في بيان "الشرع المبدَّل" ما ذكره ابن القيم –رحمه الله- في "إعلام الموقعين" حيث جعل جواز نكاح المحلل من "الشريعة المبدَّلة" بل فضَّلَ شرعة اليهود والنصارى على تلك "الشرعة المبدَّلة" .

ومع ذلك فلم يكفر أحد من العلماء أصحاب المذهب الحنفي لتجويزهم نكاح المحلل !

قال العلامة ابن القيم –رحمه الله-: "وأنت إذا وازنت بين هذا ، وبين الشريعتين المنسوختين ، ووازنت بينه وبين "الشريعة المبدَّلة" المبيحة ما لعن الله ورسوله فاعله ؛ تبين لك عظمة هذه الشريعة وجلالتها وهيمنتها على سائر الشرائع ، وأنها جاءت على أكمل الوجوه وأتمها وأحسنها وأنفعها للخلق ، وأن الشريعتين المنسوختين خير من "الشريعة المبدَّلة" .

فإن الله سبحانه شرعهما في وقت ، ولم يشرع المبدَّلة أصلاً " ( 16 ).

وإنما لم يكفر أصحاب الشريعة المبدَّلة -هنا- لوجود التأويل المانع من التكفير . وإلا من عرف حكم الله ثم نسب إلى الله خلافه ، وضده ؛ عمداً ، وعناداً؛ فإنه كافر مرتد.

وقال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: "وأما الحكم المبدَّل وهو الحكم بغير ما أنزل الله فلا يحل تنفيذه ، ولا العمل به ، ولا يسوغ اتباعه ، وصاحبه بين الكفر والفسوق والظلم" ( 17 ).

فجعل "الحكم المبدَّل" هو الحكم بغير ما أنزل الله ، وفصَّلَ في حكم مبدِّله ومتَّبِعه ومنفذه فجعله بين الكفر والفسق والظلم .

وهذا قد وضحه جلياً –رحمه الله- في "مدارج السالكين" حيث قال: "والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين ، الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم ، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة ، وعدل عنه عصياناً ، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة ؛ فهذا كفر أصغر ، وإن اعتقد أنه غير واجب ، وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله ، فهذا كفر أكبر ، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطئ له حكم المخطئين" ( 18 )

وتنبه إلى أن العلامة ابن القيم عاصر التتار، وهم يحكمون بالياسق، ويَدَّعون الإسلام .

وقال أبو بكر ابن العربي المالكي: "إن حكم بما عنده على أنه من عند الله ؛ فهو تبديل له يوجب الكفر ، وإن حكم به هوى ومعصية ؛ فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين" ( 19 ).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : "وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله ، وتحريم ما أحل الله ، يكونون على وجهين :

أحدهما : أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ؛ فيعتقدون تحليل ما حرم الله ، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل،فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً ، وإن لم يكونوا يصلون لهم ، ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء .

والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحلال ، وتحريم الحرام ثابتاً لكنهم أطاعوهم في معصية الله ، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص ؛ فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب كما ثبت في الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ((إنما الطاعة في المعروف )) وقال: ((على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية))"( 20 ).

فذكر شيخ الإسلام –رحمه الله- نوعاً من أنواع المبدِّلين وهم الذين يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله وهم كفار مرتدون كما سبق بيانه من كلامه-رحمه الله- .

ومع ذلك ذكر نوعين من المتبعين لأولئك المبدلين :

النوع الأول: من يعتقد عقيدة المبدلين في التحريم والتحليل فهؤلاء لهم حكمهم من الكفر والردة .

النوع الثاني: من لا يعتقد عقيدة المبدلين في التحليل والتحريم ، بل يعتقدون أن الحلال ما أحله الله ورسوله ، والحرام ما حرمه الله ورسوله ، ولكنهم يطيعونهم في معصية الله لهوى في نفوسهم أو لأمر آخر.

فهؤلاء ليسوا كفاراً بل هم عصاة مذنبون .

فتبين بما سبق نقله عن الأئمة الأعلام أن التبديل في الشرع وفي عرف العلماء –ومنهم من عاصر الحكم بالقوانين الوضعية- هو الحكم بغير ما أنزل الله .

وأن تبديل الشرع يكون كفراً في حالين:

الحال الأول: أن يستحل الحكم بِـ"الشرع المبدَّل" ، وهذا يكفر عيناً إذا عرف أنه مخالف لشرع الله فأصر على استحلاله ، وليس مكرهاً .

الحال الثاني: أن ينسب "الشرع المبدَّل" إلى الله وشرعه ، فهذا يكفر عيناً إذا عُرِّف أنه ليس بشرع الله ، ولم يكن متأولاً ، ولا مجتهداً يسوغ له الاجتهاد.

وتبين مما سبق أنه لا فرق بين من بدل حكماً أو أكثر إلا في الإثم والوزر. لكن يحسن التنبيه إلى أمر مهم جداً وهو :

أن من بدل الشرع كله فهو كافر مرتد .

والسبب في ذلك: أن الشرع يشمل العقائد والأحكام ، فمن بدل التوحيد بالشرك ، وبدل الشرك بالتوحيد ؛ فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين.

أما التبديل في الأمور التي لا يكفر مرتكبها فهذا فيه التفصيل السابق . والله أعلم.

سئل عبد العزيز بن يحيى الكناني عن هذه الآيات-آيات الحكم- فقال: "إنها تقع على جميع ما أنزل الله، لا على بعضه، وكل من لم يحكم بجميع ما أنزل الله، فهو كافر ظالم فاسق

فأما من حكم بما أنزل الله من التوحيد ، وترك الشرك ، ثم لم يحكم ببعض ما أنزل الله من الشرائع لم يستوجب حكم هذه الآيات" ( 21 ).

لذا يجب التنبه إلى أن من بدل الدين كله فهو كافر مرتد .

بل من طبق الشرع كله وبدل التوحيد بالشرك ، وبدل الشرك بالتوحيد فهو كافر مرتد.

وفي هذا المعنى : أعني تبديل الدين من الإيمان إلى الكفر- : قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) ( 22 ) .

قال الإمام الشافعي –رحمه الله- : "من بدل دينه أو كفر بعد إيمان فأقام على الكفر والتبديل ولا فرق بين من بدل دينه فأظهر ديناً معروفاً ، أو ديناً غير معروف" ( 23 )

وقال أبو الحسن المالكي : "ومن بدل بالارتداد وغير في العقائد كأهل الأهواء أو بالمعاصي ، لكن المبدِّل بالارتداد يخلد في النار ، والمبدِّل بالمعاصي في مشيئة الله تعالى حتى يمضي فيه مراده" ( 24 )

فظهر مما سبق أن التبديل نوعان:

النوع الأول: تبديل مخرج من الملة ، وله صور :

منها: تبديل التوحيد بالشرك فهذا تبديل مخرج من الملة ولا يشترط فيه الاستحلال ، وسواء صدر من الفرد أو من الجماعة ، وسواء صدر من حاكم أو محكوم .

وهذه الصورة متفق على أنَّها كفر وردة.

ومنها: تبديل كل الشرع أو بعضه ونسبة ذلك التبديل إلى الله فهذا كفر وردة، أما تكفير المعين فبعد توفر الشروط وانتفاء الموانع .

ومنها: تبديل كل الشرع أو بعضه معاندة للشرع ومعارضة له أو استكباراً فهذا كفر وردة بالإجماع .

ومنها: تبديل كل الشرع أو بعضه استخفافاً بالشرع واستهانة به فهذا كفر وردة بالإجماع .

ومنها: تبديل كل الشرع أو بعضه استحلالاً لهذا التبديل واعتقاد جوازه فهذا كفر وردة ولايكفر المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء موانعه.

النوع الثاني: تبديل لا يخرج من الملة ، وله صور :

منها: تبديل بسبب تأويل أو اجتهاد سائغ فهذا صاحبه معذور إذا استفرغ وسعه في البحث والنظر .

ومنها: تبديل بعض الشرع لهوى أو شهوة أو خوفاً من أناس آخرين فهذا فسق وفجور إذا لم يقترن به معاندة للشرع أو معارضة أو بغض أو استكبار أو إنكار أو استحلال .


والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد


=== === === === === ====


الحواشي والهوامش


(1) التمهيد(5/74-75) .

( 2 )الجامع للأحكام القرآن : (6/190)

( 3 ) تفسير الطبري(10/358)

( 4 ) أحكام القرآن(4/93-94)

( 5 ) انظر: منهاج التأسيس والتقديس(ص/70-71).

( 6 ) تفسير المنار(6/405–406).

( 7 ) فتاوى اللجنة(1/781-782)

( 8 ) من شريط بعنوان: "الدمعة البازية".


( 9 ) مجموع الفتاوى(3/268) .

( 10 ) أحكام القرآن(2/127-الكتب العلمية).

( 11 ) رواه البخاري في صحيحه(8/510رقم7352) ، ومسلم في صحيحه(3/1342رقم1716) من حديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه-.

( 12 ) مجموع الفتاوى(18/170).

( 13 ) صحيح مسلم(3/1327رقم1700)

( 14 ) مجموع الفتاوى(11/431)

( 15 ) مجموع الفتاوى(11/507).

( 16 ) إعلام الموقعين(2/57-58).

( 17 ) الروح(ص/267) .

( 18 ) مدارج السالكين(1/365).

( 19 ) أحكام القرآن(2/624)

( 20 ) مجموع الفتاوى(7/70) ونقله الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد(ص/552) .

( 21 ) تفسير البغوي(3/61)

( 22 ) رواه البخاري في صحيحه(3/1098رقم2854) من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-.

( 23 )كتاب الأم (6/146) .

( 24 )كفاية الطالب (1/123-124).
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:09 PM.


powered by vbulletin