من كتاب "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام"
تأليف
الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام
إن القائلين بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة ، يقولون في الوقت نفسه بأن الأحكام الشرعية ثبتت بحديث الآحاد وهم بهذا قد فرقوا بين العقائد والأحكام ، فهل تجد هذا التفريق في النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة ، كلا ، وألف كلا ، بل هي بعمومها وإطلاقاتها تشمل العقائد أيضاً ، وتوجب اتباعه صلى الله عليه و سلم فيها ، لأنها بلا شك مما يشمله قوله ( أمراً ) في آية (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (وهكذا أمره تعالى بإطاعة نبيه صلى الله عليه و سلم والنهي عن عصيانه ، والتحذير من مخالفته – وثناوه على المؤمنين الذين يقولون عندما يدعون للتحاكم إلى الله ورسوله : سمعنا وأطعنا ، كل ذاك يدل على وجوب طاعته واتباعه صلى الله عليه و سلم في العقائد والأحكام . وقوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه( فإنه ( ما ) من ألفاظ العموم والشمول كما هو معلوم . وأنت لو سألت هؤلاء القائلين بوجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام عن الدليل عليه ، لاحتجوا بهذه الآيات السابقة وغيرها مما لم نذكره اختصاراً ، وقد استوعبها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه "الرسالة" فليراجعها من شاء ، فما الذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها وهي داخلة في عموم الآيات ؟ إن تخصيصها بالأحكام دون العقائد تخصيص بدون مخصص وذلك باطل ، وما لزم منه باطل فهو باطل .
* شبهة وجوابها
لقد عرضت لهم شبهة ثم صارت لديهم عقيدة ! وهي أن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ، ويعنون به الظن الراجح طبعاً ، والظن الراجح يجب العمل به في الأحكام اتفاقاً ، ولا يجوز الأخذ به عندهم في الأخبار الغيبية ، والمسائل العلمية ، وهي المراد بالعقيدة ، ونحن لو سلمنا لهم جدلا بقولهم : ( إن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ) على إطلاقه ، فإنا نسألهم : من أين لكم هذا التفريق ، وما الدليل على أنه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة ؟ !
لقد رأينا بعض المعاصرين يستدلون على ذلك بقوله تعالى في المشركين : (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس( وبقوله سبحانه : (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً( ، ونحو ذلك من الآيات التي يذم الله تعالى فيها المشركين على اتباعهم الظن . وفات هؤلاء المستدلين أن الظن المذكور ففي هذه الآيات ليس المراد به الظن الغالب الذي يفيده خبر الآحاد ، والواجب الأخذ به اتفاقاً ، وإنما هو الشك الذي هو الخرص فقد جاء في "النهاية" و "اللسان" وغيرها من كتب اللغة : " الظن : الشك يعرض لك في الشيء فتحققه وتحكم عليه " .
فهذا هو الظن الذي نعاه الله تعالى على المشركين ، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى فيهم : (إن يتبعون
إلا الظن وإن هم إلا يخرصون( فجعل الظن هو الخرص الذي هو مجرد الحزر والتخمين .
ولو كان الظن المنعي على المشركين في هذه الآيات هو الظن الغالب كما زعم أولئك المستدلون ،
لم يجز الأخذ به في الأحكام أيضاً ، وذلك لسببين أثنين :
الأول : أن الله أنكره عليهم إنكاراً مطلقاً ، ولم يخصه بالعقيدة دون الأحكام .
والآخر : أنه تعالى صرح في بعض الآيات أن الظن الذي أنكره على المشركين يشمل القول به في الأحكام أيضاً ، فاسمع إلى قوله تعالى الصريح في ذلك : (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ( فهذه عقيدة ) ولا حرمنا من شيء ( وهذا حكم ) كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل : هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ؟ إن تتبعون إلا الظن ، وإن أنتم إلا تخرصون( ، ويفسرها قوله تعالى : (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والإثم والبغي بغير الحق ، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون( فثبت مما تقدم أن الظن الذي لا يجوز الأخذ به إنما هو الظن الغوي المرادف للخرص والتخمين ، والقول بغير علم ، وأنه يحرم الحكم به في الأحكام كما يحرم الأخذ به في العقائد ولا فرق .
وإذ كان الأمر كذلك فقد سلم لنا القول المتقدم : إن كل الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام ، تدل أيضاً بعمومها وشمولها على وجوب الأخذ به في العقائد أيضاً ، والحق أن التفريق بين العقيدة والأحكام في وجوب الأخذ فيها بحديث الآحاد فلسفة دخيلة في الإسلام، لا يعرفها السلف الصالح ولا الأئمة الأربعة الذين يقلدهم جماهير المسلمين في كل العصر الحاضر.
* بناؤهم عقيدة ( عدم الأخذ بحديث الآحاد ) على الوهم والخيال :
وإن من أعجب ما يسمعه المسلم العاقل اليوم هو هذه الكلمة التي يرددها كثير من الخطباء والكتاب كلما ضعف إيمانهم عن التصديق بحديث ، حتى ولو كان متواتراً عند أهل العلم بالحديث كحديث نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، فإنهم يتسترون بقولهم : " حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة " ، وموضع العجب أن قولهم هذا هو نفسه عقيدة ، كما قلت مرة لبعض من ناظرتهم في هذه المسألة ، وبناء على ذلك ، فعليهم أن يأتوا بالدليل القاطع على صحة هذا القول ، وإلا فهم متناقضون فيه ، وهيهات هيهات فإنهم لا دليل لهم إلا مجرد الدعوى ، ومثل ذلك مردود في الأحكام فكيف في العقيدة ؟ وبعبارة أخرى : لقد فروا من القول بالظن الراجح في العقيدة ، فوقعوا فيما هو أسوأ منه وهو قولهم بالظن المرجوح فيها ، ( فاعتبروا يا أولى الأبصار ) ! وما ذلك إلا بسبب البعد عن التفقه بالكتاب والسنة ، والإهتداء بنورهما مباشرة ، والانشغال عنه بآراء الرجال .
* الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة :
إن هناك أدلة أخرى أخص في الدلالة مما سبق على وجوب الأخذ بخبر الواحد في العقيدة أرى أنه
لا بد من التعرض لذكر بعضها ، وبيان وجه دلالتها .
الدليل الأول : قوله تعالى : (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون( .
فقد حض الله تبارك وتعالى المؤمنون على أن ينفر طائفة منهم إلى النبي ( ليتعلموا منه دينهم ويتفقهوا فيه . ولا شك أن ذلك ليس خاصاً بما يسمى بالفروع والأحكام بل هو أعم . بل المقطوع به أن يبدأ المعلم بما هو الأهم فالأهم تعليما وتعلما ، ومما لا ريب فيه أن العقائد أهم من الأحكام ، ومن أجل ذلك زعم الزاعمون أن العقائد لا تثبت بحديث الآحاد ، فيبطل ذلك عليهم هذه الآية الكريمة ، فإن الله تعالى كم حض فيها الطائفة على التعلم والتفقه عقيدة وأحكاماً حضهم على أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما تعلموه من العقائد والأحكام ، و ( الطائفة ) في لغة العرب تقع على الواحد فما فوق . فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد عقيدة وحكماً لما حض الله تعالى الطائفة على التبليغ حضاً عاماً، معللاً ذلك بقوله: (لعلهم يحذرون( الصريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة، فإنه كقوله تعالى في آياته الشرعية والكونية: (لعلهم يتفكرون( ، (لعلهم يعقلون( ، (لعلهم يهتدون( ، فالآية نص في أن خبر الآحاد حجة في التبليغ عقيدة وأحكاماً .
الدليل الثاني : قوله تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم( أي لا تتبعه ، ولا تعمل به ، ومن المعلوم أن المسلمين لم يزالوا من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ، ويعملون بها ، ويثبتون بها الأمور الغيبية ، والحقائق الإعتقادية مثل بدء الخلق وأشراط الساعة ، بل ويثبتون بها لله تعالى الصفات ، فلو كانت
لا تفيد علما ، ولا تثبت عقيدة لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (مختصر الصواعق– 2/396) وهذا مما لا يقوله مسلم.
الدليل الثالث : قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا( وفي القراءة الأخرى
(فتثبتوا( ، فإنها تدل على أن العدل إذا جاء بخبر ما فالحجة قائمة به ، وأنه لا يجب التثبت بل يؤخذ به حالاً ، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في "الإعلام" (2/394) :
"وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد وأنه لا يحتاج إلى التثبت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم . ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا ، وفعل كذا وأمر بكذا ، ونهى عن كذا ، وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة ، وفي "صحيح البخاري" : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في عدة مواضع ، وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ! وإنما سمعه من صحابي غيره ، وهذه شهادة من القائل ، وجزم على رسول الله صلى الله عليه و سلم بما نسب إليه من قول أو فعل ، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله صلى الله عليه و سلم بغير علم".
الدليل الرابع : سنة النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه تدل على الأخذ بخبر الآحاد : إن السنة العملية التي جرى عليها النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه في حياته وبعد وفاته تدل أيضاً دلالة قاطعة على عدم التفريق بين حديث الآحاد في العقيدة والأحكام ، وأنه حجة قائمة في كل ذلك ، وأنا ذاكر الآن بإذن الله بعض ما وقفت عليه من الأحاديث الصحيحة ، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه" - 8/132) :
" باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام ، وقول الله تعالى : (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون( ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى : (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا( فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية ، وقوله تعالى : (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا( وكيف بعث النبي صلى الله عليه و سلم أمراءه واحداً بعد واحد ، فإن سها أحد منهم رد إلى السنة " .
ثم ساق الإمام البخاري أحاديث مستدلاً بها على ما ذكر من إجازة خبر الواحد ، والمراد بها جواز العمل والقول بأنه حجة فأسوق بعضاً منها :
الأول : عن مالك بن الحويرث قال :
" أتينا النبي صلى الله عليه و سلم ونحن شببة ( 9 ) متقاربون ، فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة ، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم رحيماً رفيقاً ، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا ، أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا ، فأخبرناه ، قال : ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم ، وصلوا كما رأيتموني أصلي ".
فقد أمر صلى الله عليه و سلم كل واحد من هؤلاء الشببة أن يعلم كل واحد منهم أهله ، والتعليم يعم العقيدة ،
بل هي أول ما يدخل في العموم فلو لم يكن خبر الآحاد تقوم به الحجة لم يكن لهذا الأمر معنى .
الثاني : عن أنس بن مالك : أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : إبعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام . قال : فأخذ بيد أبي عبيدة فقال :" هذا أمين هذه الأمة ( أخرجه مسلم
(7/29) ورواه البخاري مختصراً .
قلت : فلو لم تقم الحجة بخبر الواحد لم يبعث إليهم أبا عبيدة وحده ، وكذلك يقال في بعثه صلى الله عليه و سلم إليهم في نوبات مختلفة ، أو إلى بلاد منها متفرقة غيره من الصحابة رضي الله عنهم كعلي بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، وأبي موسى الأشعري ، وأحاديثهم في "الصحيحين" وغيرهما ، ومما لا ريب فيه أن هؤلاء كانوا يعلمون الذين أرسلوا إليهم العقائد في جملة ما يعلمونهم ، فلو لم تكن الحجة قائمة بهم عليهم
لم يبعثهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أفرداً ، لأنه عبث يتنزه عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وهذا معنى قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في "الرسالة" (ص412) :
" وهو صلى الله عليه و سلم لا يبعث بأمره ، إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان قادراً على أن يبعث إليهم فيشافههم ، أو يبعث إليهم عدداً ، فبعث واحداً يعرفونه بالصدق " .
الثالث : عن عبد الله بن عمر قال :
" بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة " رواه البخاري ومسلم .
فهذا نص على أن الصحابة رضي الله عنهم قبلوا خبر الواحد في نسخ ما كان مقطوعاً عندهم من وجوب استقبال بيت المقدس ، فتركوا ذلك واستقبلوا الكعبة لخبره ، فلولا أنه حجة عندهم ما خالفوا به المقطوع عندهم من القبلة الأولى . قال ابن القيم :
"ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، بل شكروا على ذلك " .
الرابع : عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى نبي إسرائيل ، فقال ابن عباس : كذب عدو الله ، أخبرني أبي بن كعب قال : خطبنا رسول الله ، ثم ذكر حديث موسى والخضر بشيء يدل على أن موسى عليه السلام صاحب الخضر . أخرجه الشيخان مطولاً ، والشافعي هكذا مختصراً وقال (442/1219) :
الشافعي يثبت العقيدة بخبر الواحد :
"فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يكذب به امرءاً من المسلمين ، إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بما فيه دلالة على أن موسى نبي إسرائيل صاحب الخضر" .
قلت : وهذا القول من الإمام الشافعي رحمه الله دليل على أنه لا يرى التفريق بين العقيدة والعمل في الاحتجاج بخبر الآحاد ، لأن كون موسى عليه السلام هو صاحب الخضر عليه السلام هي مسألة علمية وليست حكماً عملياً كما هو مبين ، ويؤيد ذلك أن الإمام رحمه الله تعالى عقد فصلاً هاماً في "الرسالة" تحت عنوان "الحجة في تثبيت خبر الواحد" وساق تحته أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، (ص401-453) وهي أدلة مطلقة ، أو عامة ، تشمل بإطلاقها وعمومها أن خبر الواحد حجة في العقيدة أيضاً ، وكذلك كلامه عليها عام أيضاً ، وختم هذا البحث بقوله :
"وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها ، ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه ( 10 ) السبيل .
وكذلك حكى لنا عمن حكى لنا عنه أن أهل العلم بالبلدان" .
وهذا عام أيضاً . وكذلك قوله (ص457) :
"ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والإنتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي ، ولكن أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد" .
* عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة :
وبالجملة ، فأدلة الكتاب والسنة ، وعمل الصحابة ، وأقوال العلماء تدل دلالة قاطعة – على
ما شرحنا – من وجوب الأخذ بحديث الآحاد في لا كل أبواب الشريعة ، سواء كان في الإعتقاديات
أو العمليات ، وأن التفريق بينهما ، بدعة لا يعرفها السلف ، ولذلك قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى (3/412) :
" وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات ( يعني العقيدة ) ، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات ، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً ، فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته ، ولم يزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته ، فأين سلف المفرقين بين البابين ؟ ! نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم
بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ويحيلون على آراء المتكلمين ، وقواعد المتكلفين ، فهم الذين يعرف عنهم التفريق بين الأمرين ... وادعوا الإجماع على هذا التفريق ، ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة المسلمين ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ... فنطالبهم بفرق صحيح بين ما يجوز إثباته بخبر الواحد من الدين ، وما لا يجوز ، ولا يجدون إلى الفرق سبيلا إلا بدعاوى باطلة ... كقول بعضهم : الأصوليات هي المسائل العلميات ، والفروعيات هي المسائل العملية ( وهذا تفريق باطل أيضاً ، فإن المطلوب من العمليات ) ( 11 )أمران : العلم والعمل ، والمطلوب من العلميات العلم والعمل أيضاً ، وهو حب القلب وبغضه ، وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته ، وبغضه للباطل الذي يخالفها ، فليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح ، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح ، وأعمال الجوارح تبع ، فكل مسألة علمية ، فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه ، بل هو أصل العمل ، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان ، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال ! وهذا من أقبح الغلط وأعظمه ، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه و سلم غير شاكين فيه ، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب ، من حب ما جاء به والرضا به وإرادته ، والموالاة والمعاداة عليه ، فلا تهمل هذا الموضع فإنه مهم جداً ، به تعرف حقيقة الإيمان .
فالمسائل العلمية عملية ، والمسائل العملية عليمة ، فإن الشارع لم يكتف من المكلفين في العمليات بمجرد العمل دون العلم ، ولا في العمليات بمجرد العلم دون العمل" .
فتحرر من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى أن التفريق المذكور مع كونه باطلاً بالإجماع لمخالفته ما جرى عليه السلف ، وتظاهر الأدلة المتقدمة على مخالفته ، فهو باطل أيضاً من جهة تصور المفرقين عدم وجوب اقتران العلم بالعمل ، والعمل بالعلم ، وهذه نقطة هامة جداً تساعد المؤمن على تفهم الموضوع جيداً ، والإيمان ببطلان التفريق المذكور يقيناً .
* إفادة كثير من أخبار الآحاد العلم واليقين :
ثم إن ما تقدم من البحث وتحقيق القول ببطلان التفريق المذكور ، إنما هو قائم كله على افتراض صحة القول بأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن الراجح ، ولا يفيد اليقين ، والعلم القاطع فينبغي أن يعلم أن ذلك ليس مسلماً على إطلاقه ، بل فيه تفصيل مذكور في موضعه ، والذي يهمنا ذكره الآن هو أن خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان ، من ذلك الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول ، ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مما لم ينتقد عليهما فإنه مقطوع بصحته ، والعلم اليقيني النظري حاصل به ، كما جزم به الإمام ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" (ص28-29) ونصره الحافظ بن كثير في "مختصره" ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتبعه العلامة ابن قيم الجوزية في "مختصر الصواعق"
(2/383) ، ومثل له بعدة أحاديث ، منها حديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات ( وحديث : ( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ( ، وحديث ابن عمر : ( فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الفطر في رمضان على الصغير والكبير والذكر والأنثى ( وأمثال ذلك ، قال ابن القيم (2/373) :
" قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه و سلم من الأولين والآخرين ، أما السلف ، فلم يكن بينهم في ذلك نزاع ، وأما الخلف ؛ فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة ، والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ، مثل السرخسي وأبي بكر الرازي من الحنفية ، والشيخ أبي حامد وأبي الطيب والشيخ أبي إسحاق من الشافعية ، وابن خويز منداد وغيره من المالكية ، ومثل القاضي أبي يعلى وابن أبي موسى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية ، ومثل أبي إسحاق الإسفرائيني وابن فورك وأبي إسحاق النظام من المتكلمين ، وذكره ابن الصلاح وصححه واختاره ، ولكنه لم يعلم كثرة القائلين به ليتقوى بهم ، وإنما قاله بموجب الحجة الصحيحة وظن من اعترض عليه من المشايخ الذين لهم علم ودين ، وليس لهم بهذا الباب خبرة تامة : أن هذا الذي قاله أبو عمرو بن الصلاح انفرد به عن الجمهور ! وعذرهم أنهم يرجعون في هذه المسائل إلى ما يجدونه من كلام ابن الحاجب ، وإن ارتفعوا درجة صعدوا إلى السيف الآمدي ، وإلى ابن الخطيب ، فإن علا سندهم صعدوا إلى الغزالي والجويني والباقلاني . ( قال ) : وجميع أهل الحديث
ما ذكره الشيخ أبو عمرو ، والحجة على قول الجمهور : أن تلقي الأمة للخبر تصديقاً وعملاً ، إجماع منهم والأمة لا تجتمع على ضلالة ، كما لو اجتمعت على موجب عموم ، أو مطلق أو اسم حقيقة ، أو على موجب قياس ، فإنها لا تجتمع على خطأ وإن كان الواحد منهم لو جرد النظر إليه لم يؤمن عليه الخطأ ، فإن العصمة تثبت بالنسبة الاجماعية ، كما أن خبر التواتر يجوز الخطأ والكذب على واحد واحد من المخبرين بمفرده ، ولا يجوز على المجموع ، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ، ( قال : ) والآحاد في هذا الباب قد تكون ظنوناً بشروطها ، فإذا قويت صارت علوماً ، وإذا وضعت صارت أوهاماً وخيالات فاسدة . (قال : )
وأعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب كما ذكره الشيخ أبو عمرو ، ومن قبله العلماء كالحافظ أبي طاهر السلفي وغيره ، فإن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصل للعلم ، مفيد لليقين ، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين ، فإن الإعتبار في الإجماع
على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم ، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية
إلا العلماء بها ، دون المتكلمين والنحاة والأطباء ، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله ، وهم علماء الحديث ، العالمون بأحوال نبيهم ، الضابطون لأقواله وأفعاله ، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين لأقوال متبوعيهم ، فكما أن العلم بالتواتر ينقسم إلى عام وخاص ، فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوماً لغيرهم ، فضلاً أن يتواتر عندهم ، فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم ، وضبطهم لأقواله وأفعاله وأحواله يعلمون من ذلك علماً لا يشكون فيه
مما لا شعور لغيرهم به البتة " .
* فساد قياس الخبر الشرعي على الأخبار الأخرى في إفادة العلم :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى (2/368) :
" وإنما أتى منكر إفادة خبر الواحد العلم من جهة القياس الفاسد فإنه قاس المخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بشرع عام للأمة ، أو بصفة من صفات الرب تعالى على خبر الشاهد على قضية معينة ، ويا بعد
ما بينهما ! فإن المخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لو قدر أنه كذب عمداً أو خطأ ن ولم يظهر ما يدل على كذبه لزم من ذلك إضلال الخلق ، إذ الكلام في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول ، وعملت بموجبه ، وأثبت به صفات الرب وأفعاله ، فإن ما يجب قبوله شرعاً من الأخبار
لا يكون باطلا في نفس الأمر ، لاسيما إذا قبلته الأمة كلهم وهكذا يجب أن يقال في كل دليل يجب اتباعه شرعاً ، لا يكون إلا حقاً ، فيكون مدلوله ثابتاً في نفس الأمر ، هذا فيما يخبر به عن شرع الرب تعالى وأسمائه وصفاته ، بخلاف الشهادة المعينة على مشهود عليه معين ، فهذه قد لا يكون مقتضاها ثابتاً في نفس الأمر .
وسر المسألة أنه لا يجوز أن يكون الخبر الذي تعبد الله به الأمة وتعرف به إليهم على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم في إثبات أسمائه وصفاته كذباً وباطلاً في نفس الأمر ، فإنه من حجج الله على عباده ، وحجج الله
لا تكون كذباً وباطلا ، بل لا تكون إلا حقاً في نفس الأمر ، ولا يجوز أن تتكافأ أدلة الحق والباطل ،
ولا يجوز أن يكون الكذب على الله وشرعه ودينه مشتبهاً بالوحي الذي أنزله على رسوله ، وتعبد به خلقه ، بحيث لا يتميز هذا عن هذا ، فإن الفرق بين الحق والباطل ، والصدق والكذب ، ووحي الشيطان ، ووحي الملك عن الله ، أظهر من أن يشبه أحدهما بالآخر ، ألا وقد جعل الله على الحق نوراً كنور الشمس يظهر للبصائر المستنيرة ، وألبس الباطل ظلمة كظلمة الليل .
وليس بمستنكر أن يشتبه الليل بالنهار على أعمى البصر ، كما يشتبه الحق بالباطل على أعمى البصيرة ، قال معاذ بن جبل في قضيته (!) " تلق الحق مما قاله ، فإن على الحق نوراً " ولكن لما أظلمت القلوب ، وعميت البصائر بالإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم ، وازدادت الظلمة باكتفائها بآراء الرجال التبس عليها الحق بالباطل ، فجوزت على أحاديثه صلى الله عليه و سلم الصحيحة التي رواها أعدل الأمة وأصدقها أن تكون كذباً ، وجوزت على الأحاديث الباطلة المكذوبة المختلقة التي توافق أهواءها أن تكون صدقاً فاحتجت بها ! قال (2/379) :
وإنما المتكلمون أهل ظلم وجهل، يقيسون خبر الصديق والفاروق وأبي بن كعب بأخبار آحاد الناس، مع ظهور الفرق المبين بين المخبرين ، فمن أظلم ممن سوى بين خبر الواحد من الصحابة وخبر الواحد من الناس في عدم إفادة العلم ؟ وهذا بمنزلة من سوى بينهم في العلم والدين والفضل . قال (2/379) :
* سبب ادعائهم ( عدم إفادة حديث الآحاد العلم ) هو جهلهم بالسنة :
فإذا قالوا : أخباره صلى الله عليه و سلم وأحاديثه الصحيحة لا تفيد العلم ، فهم مخبرون عن أنفسهم أنهم لم يستفيدوا منها العلم ، فهم صادقون فيما يخبرون به عن أنفسهم ، كاذبون في إخبارهم أنها لا تفيد العلم لأهل الحديث والسنة . (وقال 2/432) إذ لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم ، فقولهم : لم نستفد بها العلم لم يلزم منه النفي العام على ذلك ، ( وهذا ) بمنزلة الاستدلال على أن الواجد للشيء العالم به غير واجد له ، ولا عالم به ! فهو كمن يجد من نفسه وجعاً أو لذة أو حباً أو بغضاً ، فينتصب له من يستدل على أنه غير وجع ولا متألم ولا محب ولا مبغض ، ويكثر له من الشبه التي غايتها أني لم أجد ما وجدته ، ولو كان حقاً لاشتركت أنا وأنت فيه ! وهذا عين الباطل ،
وما أحسن ما قيل :
أقول للائم المهدى ملامته ذق الهوى فإن استطعت الملام لم
فيقال له : اصرف عنايتك إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم واحرص عليه ، وتتبعه واجمعه ، و ( الزم ) معرفة أحوال نقلته وسيرتهم ، وأعرض عما سواه ، واجعله غاية طلبك ، ونهاية قصدك ، بل احرص عليه حرص أتباع المذاهب على معرفة مذاهب أئمتهم ، بحيث حصل لهم العلم الضروري بأنها مذاهبهم وأقوالهم ، ولو أنكر ذلك عليهم منكر لسخروا منه ، وحينئذ تعلم : هل تفيد أخبار رسول الله صلى الله عليه و سلم العلم أو لا تفيده ، فأما مع إعراضك عنها ، وعن طلبها فهي لا تفيدك علماً ، ولو قلت : لا تفيدك أيضاً ظناً لكنت مخبراً بحصتك ونصيبك منها ! " .
* مثالان على موقف بعض الفقهاء من الحديث وجهلهم بالسنة :
أقول : وهذه حقيقة يلمسها كل مشتغل بعلم الحديث متتبع لطرقه وألفاظه ، مطلع على موقف بعض الفقهاء ، من بعض رواياته وأضرب على ذلك مثلين اثنين ، أحدهما قديم ، والآخر حديث :
الأول : قوله صلى الله عليه و سلم : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ( فهو مع كونه صحيحاً مخرجاً في "الصحيحين" فقد رده الحنفية بدعوى أنه مخالف لظاهر القرآن ، وهو قوله تعالى : (فاقرأوا ما تيسر منه( فتأولوه لكونه حديث آحاد بزعمهم ، مع أن أمير المؤمنين في الحديث وهو الإمام البخاري صرح في مطلع كتابه "جزء القراءة" بأنه حديث متواتر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم !
ترى ألم يكن من الواجب على هؤلاء أن يستفيدوا من علم هذا الإمام المختص بالحديث ، ويغيروا رأيهم فيه أنه آحاد ، ويضموه إلى الآية ويخصصوها به ؟ هذا مع العلم بأن الآية الكريمة المذكورة هي في موضوع صلاة الليل وليست في موضوع القراءة المفروضة في الصلاة !
والآخر : حديث نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ، وهو مروي في "الصحيحين" أيضاً ، فقد سألت عنه منذ سنين مشيخة الأزهر ، فأجاب أحدهم في مجلة "الرسالة" بأنه حديث آحاد ، وأن مدار طرقه على وهب بن منبه وكعب الأحبار .
والحقيقة التي يشهد بها أهل الاختصاص والمعرفة بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه حديث متواتر ، وقد كنت تتبعت أنا شخصياً طرقه إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فرأيته قد رواه عنه عليه الصلاة والسلام نحو أربعين صحابياً ، أسانيد عشرين منهم على الأقل صحيحة ، وبعضها له عند بعضهم أكثر من طريق واحد صحيح في "الصحيحين" و"السنن" و"المسانيد" و"المعاجم" وغيرها من كتب السنة .
ومن الغريب أن كل هذه الطرق ليس فيها ذكر مطلقاً لوهب وكعب ! ! وقد كنت كتبت خلاصة للتتبع المشار إليه في صفحتين أرسلتهما إلى "الرسالة" يؤمئذ ، راجياً أن تنشرهما خدمة للعلم ، ولكن لم يكتب لهما النشر !
فهذان المثالان من مئات الأمثلة تبين لنا أن الحديث النبوي لم ينل من أهل العلم العناية الواجبة عليهم على اعتبار أنه الأصل الثاني للشريعة الإسلامية ، الذي بدونه لا يمكن أبداً أن يفهم الأصل الأول فهماً صحيحاً كما أراده الله تبارك وتعالى ، فوقعوا بسبب ذلك في هذا الجهل الفاضح بأحاديث النبي صلى الله عليه و سلم ، وهذا الإنحراف المكشوف عن التصديق بها ، وهي قطعاً مما جاء به عليه السلام ، والله تعالى يقول :
(وما آتاكم الرسول فخذوه.. (فأخذوا بعضه وتركوا بعضه !(فما جزاء من يفعل ذلك إلا .. (.
والخلاصة أنه يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، عند أهل العلم به سواء كان في العقائد أو الأحكام وسواء أكان متواتراً أم آحاداً ، وسواء أكان الآحاد عنده يفيد القطع واليقين ، أو الظن الغالب على ما سبق بيانه ، فالواجب في كل ذلك الإيمان به والتسليم له ، وبذلك يكون قد حقق في نفسه الاستجابة المأمور بها في قول الله تبارك وتعالى : (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ، وأنه إليه تحشرون( وغيرها من الآيات التي سبق ذكرها في مطلع هذه الكلمة التي أرجو الله تعالى أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه ، ناصرة لكتابه ، خادمة لسنة نبيه صلى الله عليه و سلم تسليماً .
والكتاب pdf
التحميل :